on Tuesday, September 30, 2014

من أجملِ ما يبقى عالقاً في أذهانِنا ما نقضيه في مقاعد الدراسة، نتذكرُ أحلى الأيام و أمَرَّها، نَحِنُّ إلى أشياءٍ و نتحسَّر على أخرى، ولكن تبقى كلُها ذكريات جملية نتمنى لو يعود الزمن بنا لنعيشها مرة أخرى في نفس الزمان و مع نفس الأشخاص.
كنتُ في الثانية إبتدائي، و كنتُ أدرس في قسمٍ مشوش، مثلما كان يصِفه المعلم دائما، و سَعياً منه للتقليلِ من الفوضى، قرَرَ المعلم أن يُجلِس ولد و بنت في كل طاولة، و مع أنني لم أكن أشوش كثيراً إلى أنني كنت مع من قرر المعلمُ تغييرَ مكانِه فوجدت نفسي جالسا مع بنتٍ هادئةٍ عِوَضَ زميلي الذي كان كثير الحركة و كثير الكلام، فعَمَّ السكون على القسم و أصبح المعلم يردد صباحا مساءا " ماشي هكدا خير ... مليحلكم غير هاك".
ما لفَتَ انتباهي مع مرور الأيام أن البنتَ الهادئةَ التي تجلسُ معي، كانت تُعير مبراةً من عند زميلي الجالس في الطاولة خلفنا لأنها لا تملك مبراةً، و لكن ما حيَّرني أنها كانت تُعير المبراةَ من عند زميلي رغم أنني تعَمَدْتُ إخراج المبراة من مقلمتي و وضعِها على الطاولة، لكن الشيءَ نفسَه تكرر في كل مرة، تأجل سؤالي عن السبب حتى آخر يوم من الفترة الأولى، و لما سأَلتها عن السبب "لماذا لا تستعملين مبراتي؟" فأجابت " متبريش مليح" ، و قد كانت على حق فقد كان لزميلي مبراة حديدية حادة، أما أنا كنت أملك مبراة بلاستيكية حمراء كنت أحتفظ بها من السنة الأولى.
تزامن عيد الفطر المبارك أو كما يسمى " العيد الصغير" بالعطلة الشتوية، كنتُ فرحاً جداً بقدوم العيد، لأني صُمْتُ جميع أيام رمضان للمرة الأولى، ليس هذا و حسب، و لكن لأنني سأجمع بعض النقود، كما كان يفعله جميع الأطفال أنذاك.
كان يوم العيد ممطرا، و لكنه كان يوما جميلا لأني جمعت مبلغا معتبرا ( معتبرا في ذلك الوقت)، في اليوم الموالي ذهبت إلى المكتبة لأشتري مبراة جديدة، كان كل شيئا مغلقا، نسيت أو تناسيت أن الدكاكين لا تفتح أيام العيد، أتيت في اليوم الموالي، و كان لي ما أريد، اشتريتُ مبراة جديدة كانت الاجمل و الأغلى ثمناً في ذلك الدكان، و صِرتُ أنتظر نهاية العطلة بعدما كنت أنتظر قدومها.
و انقضت أيامُ العطلةِ الشتوية، و عُدْنا إلى مقاعدِ الدراسةِ من جديد، أوَلُ ما فعلت لمَا جلست، أني أخرجت مبراتي الجديدة و وضعتها على الطاولة، أنتظر قدوم البنت الهادئة لأريها إياها ... لكنَّها لم تأٌتِ، فَعَلتُ نفسَ الشيء في اليوم الثاني و الثالث و لكِنَّها لم تأتِ، و لما سألتُ عنها عَلِمتُ أنَّها انتقلت للعيش في مدينة أخرى مع عائلتها، لقد ذَهَبتْ و لنْ تَعودْ، كَما لنْ تعودَ أيام الماضي الجميل.
الحكمة من القصة: لا تَجعلْ أحلامَك مرتبطةً بشخصٍ آخر، شخصٌ قد يذهب و لن يعود.
L